الجعفري: لابد من وقفة واعية ومسؤولة لتقييم التظاهرات المستمرة لأكثر من مائة يوم التي لم تسجل أيَّ سابقة مثيلة لها.. تقادم الزمن لا يسقط الحقوق ولا يعذر الجناة ممّا يستدعي تحديدا دقيقا في معرفتهم ومساءلتهم والابتعاد عن التوصيفات الغامضة كمصطلح الطرف الثالث الجعفريّ: جرائم الاغتيال والقتل والتمثيل بجُثث الموتى انتهاك سافر لحُقوق الإنسان وهو جرس إنذار بتهديد السلم المُجتمَعي وزرع الفتنة ونشر الفوضى في وقت يجب أن يتحمَّل الجميع مسؤوليته الوطنية عبر التعاون على حفظ وحدة الصفِّ الوطني وعدم زعزعة الأمن والاستقرار الجعفريّ: يجب مُحاسَبة كلّ من تورَّط في إراقة دماء أبنائنا المُتظاهِرين والقوات الأمنيّة وإنزال القصاص العادل بحقهم.. الردّ العراقيّ الوطنيّ المُوحَّد هو الذي جعل الهمَّ العراقيَّ فوق كلِّ الهُمُوم وإنسانه فوق كلِّ اعتبار وساهم في تجنب المزيد من الأزمات الجعفريّ: التظاهرات تعبيرٌ عن المُطالَبة عن كلِّ حقّ مهدور وكرامة مُنتهَكة ومال مسروق وسياسة فاسدة وتدخّل أجنبيّ فاحش!!.. يجب منع استخدام السلاح ضدّ المُتظاهِرين وتفقُّد عوائل الشهداء ورعايتهم.. وإلغاء بدعة المُحاصَصة "سيِّئة الصيت" في التشكيلات الحكوميّة رسائل الأيام للدكتور إبراهيم الجعفري الجعفريّ للعرب: لا تنظروا إلى حجم سكاننا بل انظروا إلى قوة إرادتنا وإصرارنا على حقوقنا.. المطلوب من الجامعة العربية أن ترسم أولوياتها على ضوء المصالح والمخاطر وتُفكـِّر بحجم الإنسان العربيِّ والقدر العربيِّ.. وأن ننتهي بنتائج ولا نكتفي بالكلمات والخطب الجعفريّ للعرب: أصبح صوت العراق مسموعاً وأصبحت إنجازاته موضع احترام العالم.. نحتاج إلى وُقوفكم إلى جانبنا ونحن لا نطلب دماء أبنائكم بدلاً من دماء أبنائنا ولكن عليكم مُساعَدتنا في مُواجَهة داعش خُصُوصاً أنَّهم جاؤوا من بلدانكم ومن أكثر من مئة دولة الجعفريّ لوزراء الخارجيَّة العرب: نحن لا نـُمثـِّل حُكـَّاماً وحكومات فقط، بل نـُمثـِّل شُعُوباً عربيَّة وإضعاف أيِّ دولة إضعاف لنا جميعاً.. داعش يستهدف كلَّ دول العالم خُصُوصاً الدول العربيَّة؛ لذا عليكم أن تُتابعوا ما يجري في العراق خطوة خطوة الجعفريّ من جنيف: العراق من الدول التي تعاني من نار الإرهاب ومن الدول المنتصرة على الإرهاب وحاولتْ بعض الجهات الدوليَّة التي تدعم الإرهاب إلى إرباك جهدنا و‏تزييف الحقائق واتهام مُؤسَّسة الحشد الشعبيِّ وبلا دليل، وهي لا تخدم في حقيقتها بذلك إلا الإرهاب الجعفريّ: تـُوجَد الآن دول عظمى تفكِّر بعقليَّة (كاوبوي) -رُعاة البقر-، بينما العراق يتعامل بطريقة إنسانيَّة حتى مع خصمه؛ لأنه تعلـَّم على شيء اسمه كيفيَّة غضِّ النظر عن الجزئيَّات، ويفكر بالحلول أكثر ما يفكر بالمشاكل

المُؤتمَر الصحفيّ المُشترَك للدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيَّة العراقـيَّة، ووزير خارجيّة الجمهوريّة العربيّة السوريَّة السيِّد وليد المعلم في العاصمة دمشق
الاخبار | 15-10-2018

وزير الخارجيَّة السوريّ وليد المعلم: يُسعِدني أن أرحِّب بأخي، وصديقي معالي الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير خارجيَّة جمهوريَّة العراق الشقيق.

هذه الزيارة تأتي في ظلِّ ظروف مُهمَّة للغاية.. ظروف أنَّ العراق وسورية بدآ يتلمَّسان حلاوة النصر على الإرهاب الذي ضرب في البلدين، لكنَّ صمود الشعبين العراقيِّ والسوريِّ، والتفافهما حول قواتهما المُسلـَّحة أدَّى إلى هذه النتيجة.

الذي يُدقـِّق في حساب هذه المُواجَهة يجد أنَّ العالم كلـَّه سوف يستفيد من هذه النتيجة.. تصوَّروا لو أنَّ داعش، أو النصرة انتصر في العراق، أو في سورية -لا سمح الله- ماذا يُمكِن أن يحدث لأوروبا، وللدول العربيَّة، وللعالم كلـِّه!

لا أريد أن أطيل، وسأترك مجال الحديث لمعالي الأخ الدكتور إبراهيم الجعفريّ الذي حرص على زيارة دمشق، وأعتقد أنـَّه تمتـَّع بما رآه من عودة الحياة الطبيعيَّة إلى سورية.

شكراً.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: شكراً..

بسم الله الرحمن الرحيم

أحيِّيكم جميعاً أجمل تحيَّة.. أشعر بالغبطة، والراحة وأنا أجلس مع العائلة الإعلاميَّة التي اعتدتُ على أن أتردَّد على أجوائها، وأستظلُّ بأفيائها الرائعة.. وهكذا كنا دائماً نتثاقف -نتبادل الثقافة- من طرفي ومن طرف الإعلاميِّين.. وأسعد ما يكون الوقت عندما يكشف الإعلاميّ عن اهتماماته البالغة، وأسئلته المُؤثـِّرة.

أنا سعيد جدّاً بهذا اللقاء وأنا أزور سورية في هذا الظرف الذي أوشك أن أودِّع فيه وزارة الخارجيَّة العراقـيَّة، لكنـِّي لا أودِّع السياسة.. لا أودِّع الحكم، بل أودِّع الحكومة.. أودِّع الوزارة.

كانت هذه السفرة بالذات -في تقديري- على درجة عالية من الأهمِّـيَّة أوَّلاً؛ للاستقرار الذي سمعته، ثم لمسته في هذين اليومين -وليس مَن رأى كمَن سمع- لمستُ الاستقرار في وُجُوه الناس، والمَرافِق العامَّة عِبْرَ تجوالي بالسيَّارة هنا وهناك، وما استمعتُ إليه.. أنا سعيد جدّاً بأن أجد هذا الاستقرار؛ لتسقط الرهانات التي تحاول أن تصدع في أمن سورية، ووضعها السياسيّ.

نتمنـَّى الخير لسورية، ولأشقائنا من كلِّ بلدان العرب، وإن شاء الله تبقى العلاقات العراقـيَّة-السوريَّة صلبة، وقويَّة، وصخرة في عُيُون الأعداء، ولم تكن علاقتنا مع سورية جديدة، بل علاقة قديمة جدّاً يعود تاريخها إلى عام 1984 كزيارة رسميَّة زرتُ فيها الجمهوريَّة العربيَّة السوريَّة، والتقيتُ بالرئيس الراحل حافظ الأسد.. في ذلك الوقت عندما كنتُ شابّاً، ثم توالت السفرات بين فترة وأخرى؛ فبذلك لم تعُد سورية تُمثـِّل الجوار الجغرافيَّ فقط، وكونها مُحادِدة للعراق، بل تُمثـِّل -أيضاً- الجوار الإنسانيَّ، والاجتماعيَّ، والسياسيَّ، والجوارات الأخرى كافة، ولا يكفي أنـَّنا نمتلك تاريخاً من العلاقات الجيِّدة مع سورية، ومع بقـيَّة الدول، بل يجب أن نُحافِظ على هذه العلاقة، ونرتقي بها إلى مصافِّ الدول التي تتبادل المصالح -وما أكثرها بيننا وبين سورية!-.

في تصوُّري أنَّ سورية اليوم تخطـَّت الكثير من خط الأزمات، وصمدت في الوقت الذي تعرَّضت -للأسف الشديد- لكثير من التحدِّيات، والتهديدات، والتخرُّصات من هنا ومن هناك.

هكذا يكون ديدن الشعب الصامد، والبلد الصامد، والحكومة الصامدة حليفه الانتصار ولو بعد حين.

سورية -الحمد لله- الآن تقطع أشواطاً، وتخطو خطوات يشهد لها القاصي والداني.. أتمنـَّى لها كلَّ الخير.

عندما يستضيفني الإخوة الإعلاميُّون آنس بأحاديثهم، ويُضِيفون إلى ثقافتي -ليست ثقافتي فقط  من وحي الكتب، وإن كنتُ أقرأ كُتُباً لكن أكثر شيء كما يقول الدكتور ميشيل: "الحقيقة بنت الجدل"-، أعني: عندما أتحاور يُضِيفون إلى ثقافتي ثقافة، وإلى معلوماتي معلومة، وأسهل الأسئلة هو السؤال الذي لا أعرفه فجوابه سهل، ولا أستحي عندما أقول: لا أعرف.

معالي وزير الخارجيَّة الأخ وليد المعلم نحن وإيَّاكم طرفان نتداول شُؤُون المنطقة، وشُؤُون سورية، وشُؤُون العراق كإخوة أعزَّاء نتحاور معاً..

أشكر لكم هذا التقديم، وهذه الفرصة، ومُمتنّ لكرم الضيافة.

 

  • السؤال إلى الدكتور الجعفريّ: هل تحمل رسالة من جهة إقليميَّة، أو خليجيَّة إلى سورية تهدف لإعادة التطبيع مع دمشق؟
  • السؤال للسيِّد وليد المعلم: ما وجهة نظر دمشق بأيِّ خطوة، أو إشارة من أيِّ جهة إقليميَّة، أو خليجيَّة بهذا الاتجاه؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ:            بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة بالمعنى التقليديِّ للرسالة لا، لكنَّ الفهم، وترويج الحوارات التي حصلت بيني وبين كثير من أقطاب الدول العربيَّة.. نعم، حاورتُ منذ وقت مُبكـِّر، وتكلـَّمت عن سورية، وضرورة عودتها إلى البيت العربيِّ.. سورية ليست دخيلة على البيت العربيِّ، والجامعة العربيَّة، وقد دوَّيتُ بخطابي بشكل علنيٍّ، وتحدَّثتُ في أروقة الجامعة العربيَّة، وحتى في الأمم المتحدة: أنَّ سورية عضو أساسيّ في العائلة العربيَّة؛ لذا يجب أن تشقَّ طريقها إلى البيت العربيِّ، وتتحدَّث بملء فمها.

فتحدَّثتُ بذلك، وكرَّرتُ هذا الطلب عِدَّة مرّات.. ولعلَّ البعض منكم سمع هذه الحديث عبر شاشات التلفزيون.

سورية لا ينبغي أن تُهمَّش، ولا يستطيع أحد أن يُهمِّشها، وقد أثبتت سيرة السنوات المنصرمة الماضية أنَّ سورية قويَّة، ومُلتحِمة بشعبها؛ وبالنتيجة بيتها هو البيت العربيُّ، وخيمتها الخيمة العربيَّة، وقوتها قوة لنا جميعاً.. هذه نُسمِّيها رسالة، أو نُسمِّيها فهماً.

وزير الخارجيَّة السوريّ: معالي الدكتور إبراهيم الجعفريّ كان أوَّل مَن تحدَّث في المحفل العربيِّ عن ضرورة عودة سورية إلى الجامعة العربيَّة، وكما فهمتُ من معاليه في البداية كان هناك استغراب كثير من العرب لحديثه، لكنـَّه اليوم يجد تشجيعاً من الدول التي كانت تعترض على ذلك.

فيما يتعلـَّق بسؤالك: أنا قلتُ: سورية لديها موقع في العالم العربيِّ، ويجب أن تمارس دورها العربيَّ؛ ومن هذا المُنطلـَق أيُّ مُبادَرة عربيَّة، أو دوليَّة نحن نستجيب لها.

 

  • السؤال للدكتور الجعفريّ: في الفترة الأخيرة أصبح هناك شحّ بالمياه في العراق.. هل بحثتم هذا الملفَّ مع سورية، وهل سيكون لسورية دور في هذا الجانب بحيث تُقدِّم مُساعَدات للعراق؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الأمن المائيّ من الستراتيجيَّات التي يُعنى بها العالم.. ونتحدَّث بها في كلِّ مُنتدى نذهب إليه.. ومنذ نهاية القرن العشرين والعالم يُشرِف على شيء جديد اسمه (حرب المياه)؛ وهو ما بشَّر به جاك أتالي عندما قال: القرن الواحد والعشرون سيشهد حرب المياه.

العراق وسورية اكتويا بهذه المُصيبة، وهذه المُشكِلة؛ لذا يهمُّنا كثيراً أن نهتمَّ بمسألة توفير المياه لخير البلدين، وهو ليس فقط في هذه المنطقة.. النيل في وقت من الأوقات تهدَّد.

هذه حُرُوب جديدة.

التنسيق بيننا وبين سورية قائم، ونتداول باستمرار الهمَّ المُشترَك الذي هو توفير المياه المطلوبة.. وكلـَّما نلتقي مع الطرف التركيِّ نُؤكـِّد على ضرورة دفع المياه.. فالسُدُود ليست سِرّاً عليكم أخذت بالازدياد، ونحن نتحدَّث مع الطرف السوريِّ بكلِّ صراحة عن حقِّ العراق.. نعم، لسنا دولة منبع، ولكن دول مُشاطِئة، أي: دولة اجتياز، ومصر ليست دولة منبع للنيل، بل دولة اجتياز، ودولة مُشاطِئة.

وراءنا صفحات من النضال، والاستمرار، والمُطالـَبة حتى يأخذ كلٌّ من البلدين سورية والعراق حقهما الطبيعيَّ في استثمار الموارد المائيَّة.

دوَّيتُ في أكثر من مرَّة، وأكثر من مُناسَبة بأنَّ الإنسان العراقيَّ مُهدَّد، والحيوان العراقيَّ مُهدَّد، والزرع العراقيَّ مُهدَّد، والأرض العراقـيَّة مُهدَّدة، والحضارة العالميَّة وليست العراقـيَّة مُهدَّدة؛ لأنَّ منابع الحضارة العالميَّة كانت من أهوار العمارة والناصرية.. فأيُّ تهديد لمناطق الأهوار سيُؤدِّي -بالضرورة- إلى اختلال في منابعها الحضاريَّة.

سنبقى نتواصل، ونطلب من دول العالم أن تقف إلى جانبنا، ونأمل من تركيا أن ترعوي، وتُنصِف العراق فيما يملك من حُقوق طبيعيَّة بالمياه.

 

  • السؤال للسيِّد وليد المعلم: متى سنشهد فتح الشريان الستراتيجيّ بين سورية والعراق؟
  • السؤال للدكتور إبراهيم الجعفريّ: ما الذي سيُكرِّسه القادم من الأيَّام على صعيد التنسيق بين سورية والعراق قبل مُغادَرة هذا المنصب؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أمَّا عن المعابر فأعتقد أنَّ الأصل هو اعتماد هذه المعابر، وانتهاجها، وعدم التردُّد فيها.. نعم، رُبَّما مرَّت ظروف استثنائيَّة حالت، وعرقلت لكنـَّها لا تُلغي أهمِّـيَّتها، كما لا تُلغي عدم اعتمادها.

أنا أتصوَّر -إن شاء الله- ستكون وشيكة، وإن أخذت بعض الوقت.. لا يُوجَد ثمة ما يُسوِّغ التلكـُّؤ، والتأخير في تعطيل هذه الأهداف المشروعة.

لدينا معابر جغرافيّة تحمل معالم حضاريَّة، واقتصاديَّة، وسياسيَّة، وحتى ديمغرافيَّة تُؤثـِّر في السكان؛ لذا فإنَّ الجُهُود صُبَّت، ولاتزال من أجل فتح هذه المعابر؛ لتدرَّ بالخير على الدولتين.

صادَفَ أن عملتُ طبيباً عام 1976-1978 في هذه المناطق الحُدُوديَّة، وعشتها شبراً شبراً، ومخفراً مخفراً، وأحسّ بالإنسان الحُدُوديِّ، والناس الذين كانوا على الحُدُود أشعر بهم.

التداخُل، والتنافذ المُجتمَعيّ بين العراق وسورية، وإيران، والسعوديَّة، وسورية، وتركيا.. عادة مناطق الجوار أن تشهد تداخلاً مُجتمعَيّاً، وليس تدخـُّلاً مُجتمَعيّاً، بل تداخلاً مُجتمَعيّاً، وتنافذاً بين القبائل.

هذه يجب أن نُضفي عليها طابعاً حضاريّاً تدرُّ على البلدان المُتجاورة بالخير.

ماذا تُكرِّس هذه السفرة؟

أنا أتطلـَّع أن نُحقـِّق ما نستطيع من النتائج؛ لأنَّ ما يجمعنا بسورية الكثير، ولها موقف مُشرِّف معنا منذ وقت مُبكـِّر عندما كنا مُعارَضة، وضاقت بنا الدنيا بما رحبت، فاتـَّسعت لنا إيران من جانب، وسورية من الجانب الآخر.. ولن ننسى تلك الأيَّام التي مضت -هي ذهبت لكن ما ذهبت آثارها- كانت رائعة، ومُؤثـِّرة  فينا جميعاً.. فحان وقت الوفاء لتلك الأيَّام.

نحن نكنّ لسورية كلَّ التقدير والاحترام، ونأمل أن تشهد وتيرة التعامل بيننا وبين سورية أرقى درجات الثقة؛ وهذا سيدرُّ علينا بمزيد من الفوائد.

أنا أحسب أنَّ سورية مرَّت بحالة من الضائقة ساهمت فيها عِدَّة عوامل، ولكن أشعر الآن -الحمد لله- أنَّ الظروف اختلفت عن قبل، وأصبحت أمراً واقعاً، وقد سبق أن تغنـَّى البعض بمسألة الحلِّ الضغط العسكريِّ، لكنَّ السنوات السبع المُنصرِمة أثبتت أنَّ هذا شيء غير صحيح، بل يستطيع أن يطاله الحلُّ السياسيُّ، والحلُّ السلميّ.

يجب أن نترك نظام كلِّ بلد إلى ذلك البلد، ولشعب ذلك البلد، ولقيادة ذلك البلد.. هذا هو العالم الجديد الذي يجب أن يسود، وليس من الصحيح أن نُعطي مجالاً للتدخـُّلات الأجنبيَّة.

سورية نكنُّ لها كلَّ التقدير والاحترام، ونبذل ما بوسعنا لتقوية، وتعزيز الصفِّ السوريِّ العربيّ.

وزير الخارجيَّة السوريّ: فيما يتعلـَّق بفتح معبر نصيف، أو معبر البوكمال في الواقع يجب أن ننظر إلى ما جرى في السنوات المُنصرِمة إذ كان الإرهابيُّون يُسِيطرون على هذه المعابر، ويغلقونها، والدول الداعمة لهم كانت تقف بصلابة ضدّ فتح هذه المعابر؛ لأنَّ في العصر الحديث المصالح المُشترَكة من عوامل الوحدة.

التي تخلقها هذه المعابر بين الشُعُوب هي التي تدوم؛ لذا نظرنا بالمنظار الأوسع، ولم ننظر بالمنظار الضيِّق.. تآمروا علينا أم لم يتآمروا نظرنا في مصلحة الشعبين السوريِّ والأردنيِّ، والآن ننظر في مصلحة الشعبين السوريِّ والعراقيِّ لفتح معبر البوكمال إن شاء الله في أقرب الأوقات.

 

  • السؤال للدكتور الجعفريّ: كيف يُمكِن أن نستشرف شكل العلاقات السوريَّة-العراقـيَّة، أي: هل ستبقى على نفس المُستوى من التنسيق خُصُوصاً أنَّ هناك مُحاوَلات كثيرة لقطع جميع أنواع التواصُل؟
  • السؤال للسيِّد وليد المعلم: كيف تُفسِّرون استمرار فعاليَّة داعش في مناطق شرق الفرات خُصُوصاً أنَّ هناك حملة مُستمِرَّة من قِبَل التحالف الدوليِّ، واستعمال جميع أنواع الأسلحة بما فيها الفسفور الأبيض؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: العلاقة بين العراق وسورية علاقة دولة بدولة أخرى، وليست علاقة مُقتصِرة على حكومة.

العلاقات بين العالم عندما تُبرَم على أسس دولة مع دولة أخرى تبقى مُستديمة، ومُستمِرَّة مع بقاء الدولة بغضِّ النظر عن الحكومة، ومَن يُشكـِّل الحكومة.. ورُبَّما تفرق بشكل بسيط بين حكومة وحكومة أخرى، ولكن لا تُغيِّر من جوهر الستراتيجيَّات.

العلاقات عادة مع عُمُوم الدول، وخُصُوص دول الجوار الجغرافيِّ، وبشكل أخصّ مع سورية لا تدخل في سياق الكماليَّات، والمُصادَفات، بل تدخل في عداد الستراتيجيَّات؛ لذا ستبقى على درجة عالية من الأهمِّـيَّة، يُضافُ إلى ذلك أنَّ هناك مصالح مُتبادَلة تحوَّلت إلى ثقافة مُجتمَعيَّة.. أعني: عندما يشعر مُواطِن كلِّ بلد بأنَّ مصلحته امتدَّت إلى دولة أخرى ستتحوَّل القضيَّة من مسألة سياسيَّة واقتصاديَّة، إلى مُجتمَعيَّة؛ لذا نأمل، ولا نقف عند حُدُود الطموح أن تمتدَّ العلاقات العراقـيَّة-السوريَّة بامتداد المصالح المُشترَكة مُجتمَعيّاً، واقتصاديّاً.

وزير الخارجيَّة السوريّ: فيما يتعلـَّق بداعش في شرق الفرات.. أنا لا أريد أن أعود كثيراً إلى ما جرى سابقاً في الرقة، ودور التحالف الدوليِّ بقيادة الولايات المتحدة في تدمير هذه المدينة، وقتل الآلاف من شعبها بالغارات، ونقل عناصر داعش بقوافل محميَّة بالطيران الأميركيِّ إلى شرق دير الزور.

أستطيع أن أؤكـِّد أنَّ الولايات المتحدة تحارب كلَّ شيء في سورية إلا داعش، وتحميها، وتستثمر بإرهاب داعش، وإطالة أمد الأزمة.

أخذت هذه المجموعات الباقية من داعش؛ لتُوضَع على الحُدُود السوريَّة-العراقـيَّة كجزء من مخطط إطالة أمد الأزمة، وتهديد مصالح البلدين.

الغارات الفسفوريَّة ليست جديدة، فقد استخدمتها في الرقة، وكانت هناك شواهد حيَّة على استخدامها.. ومنذ يومين استخدمتها في شرق دير الزور.. أعني: مهما نفى البنتاغون لا يستطيع أن يحجب الشمس.. الحقيقة دامغة.

أؤكـِّد مُجدَّداً: هذه الفلول الداعشيَّة تحظى بحماية أميركيَّة تامَّة، ورُبَّما في المستقبل تنقلهم إلى مكان آخر؛ لأنـَّهم يستثمرون في الإرهاب.

 

  • السؤال للدكتور الجعفريّ: هل تتخوَّف بغداد من خلايا نائمة، وهل ستسمح الولايات المتحدة بفتح خط طهران-بغداد-دمشق، وهي ترى في إيران المُشكِلة، وليس جزءاً من الحلّ؟
  • السؤال للسيِّد وليد المعلم: ذكرتَ في جوابك أنـَّه تُوجَد خيارات أخرى فيما يتعلـَّق بالشمال السوريِّ.. هل هذا يعني أنَّ العمل العسكريَّ مايزال قائماً، ولاسيَّما بعد اتفاق سوتشي المُتعلـِّق بإدلب؟ وإلى أيِّ حدٍّ سورية مُستقِلـَّة بقرارها عن أيِّ رؤية، أو طرح روسيّ بهذا الخُصُوص؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: قدر كبير من التشعُّب، لكنـَّه مُهمّ.. مَنْ يفقه معنى الإرهاب، واستوعب، واستحضر تجربة العراق يجب أن يضع في حسابه أسوأ الاحتمالات.

صحيح أنَّ فصل الإرهاب انتهى في العراق، وتحقق الانتصار.. وإذا كانت قبل حوالى سنتين 40% من مساحة العراق تُشغَل من الإرهابيِّين فاليوم لم تعُد المسألة كذلك.

المُدُن الثلاث المنكوبة تحرَّرت، والعالم كلـُّه شهد ذلك.. العراقـيُّون جميعاً أخذوا على عاتقهم أن يقوموا بتحرير بلدهم، والعمليَّات كانت عراقـيَّة محضة.

حرب الإرهاب حرب جديدة من نوعها، وليست حرباً نظاميَّة، ولا حرب شوارع، ولا حرب عصابات، بل هي حرب من نوع جديد، حرب مجموعة هنا وهناك تُمارس، وتُجيد فنَّ التخريب بأبشع صورة، وقتل أكبر عدد مُمكِن، والترويع بالضحيَّة.. إنـَّهم يُروِّعون بالضحيَّة جهد الإمكان من أجل الرعب.. هذا فعلوه بالعراق. ولعلَّ ثقافة العراقـيِّين الآن، وكذا سورية بطبيعة الجرائم الوحشيَّة التي ارتكبتها داعش، وقبلها النصرة، وقبلها القاعدة تجعلهم يحسبون لكلِّ أمر حساباً.

عين الصواب أنَّنا يجب أن نتحسَّب لكلِّ شيء، فأكبر بلدان العالم مُعرَّضة لعمليَّة تخريبيَّة مادامت الطائرة هدفاً، والسيَّارة هدفاً، والسوق هدفاً، والمسجد هدفاً، والكنيسة هدفاً، وعُمُوم الأهداف المدنيَّة.

ماذا نعمل في كلِّ مدرسة، وفي كلِّ روضة، وفي كلِّ مستشفى؟!

هل نضع قطعة عسكريَّة؟

ليس الأمر سهلاً.. أكبر دول العالم مُهدَّدة.. بدأ الإرهاب مطلع القرن الواحد والعشرين في أميركا في واشنطن ونيويورك، وليس سِرّاً على أحد.

الشعب العراقيّ صمد، ووقفت القوات المُسلـَّحة العراقـيَّة بكلِّ فصائلها جيشاً، وشرطة، وحشداً شعبيّاً، وبيشمركة، وقوات مكافحة الإرهاب، وتحوَّلت إلى ثقافة.. فمثلما تحرَّك الإرهاب مُركّباً مُنسجماً في أجزائه تحرَّكت -أيضاً- المُقاوَمة العراقـيَّة، وتحرَّكت القوات العسكريَّة العراقـيَّة باتجاه واحد، واستطاعت أن تصنع فصلاً رائعاً للعالم كلـِّه بأنَّ الذي يقول: إنَّ هناك خلافات في وجهات النظر على خلفيَّات مذهبيَّة، وقوميَّة، وسياسيَّة أصبحت المقولة لا أساس لها من الصِحَّة.. وما انتصر العراقـيُّون إلا بعد أن وحَّدوا صفهم، وجمعوا كلمتهم، واستطاعوا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه، فأدهشوا العالم كلـَّه.. إنـَّهم فعلاً استطاعوا أن يُحقـِّقوا هذا النصر.

لا ننفي وُجُود هذه الخلايا النائمة مادام أصحاب النزوات، وأصحاب النزعات الشاذة موجودين، ولا تُوجَد أدلـَّة على وُجُودها، لكن لنفترض أنَّ يوماً من الأيام استساغ البعض من هؤلاء أن يُمارسوا هذا العمل فهذا لا يُغيِّر من قدر العراق.. قدر العراق لا يُقرِّره مجموعة من الشذاذ.

أثار معالي الأخ وليد قضيَّة مُهمّة: كيف تتصوَّرون لو أنَّ العراق وقع في قبضة داعش، والثروة النفطيَّة، والثروة الماليَّة، والثروة الحضاريَّة بقبضة داعش كيف كانوا يُقدِّموا العراق للعالم مهد الحضارة؟

العالم كلـُّه شهد جرائم داعش، وشهد بُطـُولة الشعب العراقيِّ الرائعة التي استطاعوا فيها أن يقضوا على عدوِّهم، وعدوِّ الإنسانيَّة.

أعتقد أنَّ النصر الذي تحقـَّق في العراق كان نصراً عراقـيّاً على مُستوى السبب، لكنـَّه لم يكن مقصوراً على العراقـيِّين، بل كان مقصوراً على كلِّ دول العالم؛ لأنَّ كلَّ دول العالم كانت مُهدَّدة، ولاتزال مُهدَّدة..

الإرهاب الداعشيُّ عالميّ..

الحرب العالميَّة الأولى، والثانية لم تكن عالميِّتين؛ لأنَّ العالم ما اشترك كلـَّه فيها.. إذا أخذ العالميَّة على مُستوى الأرض فكثير من الدول ما شاركت فيهما، وإذا نقصد الإنسان فكثير من الناس في بعض شُعُوب العالم ما كانت مُشارِكة فيها..

الحرب على الإرهاب اليوم عالميَّة بامتياز؛ فكلُّ الشرائح الاجتماعيَّة صغاراً وكباراً، شباباً وشُيُوخاً، وما أفلتت النساء من قبضتهم، والناس المرضى، وإذا نظرنا إلى طبيعة المُؤسَّسات فكلُّ المُؤسَّسات شُمِلت بها؛ ومن ثم هي حرب عالميَّة مُتميَّزة استفاق، واستيقظ على أجراس الحرب وهي تُقرَع في كلِّ مرفق من مرافق العراق، بل تجاوزت العراق إلى دول مُجاوِرة.

الآن تحقـَّق هذا النصر.. والبلد الذي أفلت من قبضة الإرهاب يستحيل أن يعود مرَّة أخرى إليه، ولكن مع ذلك نحن نبقى نأمل بالمثل العراقيّ المعروف: (متحزم للواوي -الثعلب- بحزام السبع)، أي: عندما ترى عدوَّك لا تفكر بأنـَّه ثعلب، بل احتمل أن يكون أسداً.. فعندما تواجهه على أساس أنـَّه أسد ستكون أقدر عليه، وهو ثعلب.

أعتقد أنَّ العراقيِّـين برهنوا أنـَّهم كانوا بمُستوى المِحنة التي يُواجهونها.. لا نستطيع أن نُخفـِّف من شِدَّة المِحنة لكنـَّنا نستطيع أن نُصعِّد من مُستوى مُقاوَمتنا.

العراقـيّون انبروا جميعاً.. المرأة العراقـيَّة أدَّت دوراً كبيراً جدّاً في تحقيق النصر؛ فهذا الجنديّ وراءه أمٌّ، وزوجة، وأطفال..

عندما يكون الجميع مُستعِدِّين لخوض غمار المعركة، والتضحية ينتصرون.. سمعتم جميعاً بـ(حسين كفاح) شاب استصرخته عائلة موصليَّة أرادت منه أن يُوصِل إليها دواءً، وهم مُحتجَزون في منطقة في قبضة داعش، فذهب إلى المنطقة، وتحدَّى خطوط النار، وقال كلمة، والتزم بها، قال: أنا أعلم أنـَّني سوف أُقتـَلُ، وستبقون أحياءً، وكان قد مضى على زواجه 10 أيَّام، وهو من أهل الديوانية.

السُنـَّة، والشيعة اختلطت دماؤهم معاً.. هذا هو العراق الجديد.. ما انتصر العراقـيُّون على الإرهاب لو لم ينتصروا في داخل أنفسهم فيما قدَّموا، وفيما ضحَّوا؛ لذا فإنَّ الشعب الذي يخط ملحمة النصر بهذه الطريقة يستحقّ الحياة، وكذلك سورية.

وزير الخارجيَّة السوريّ: جبهة النصرة، أو هيئة تحرير الشام مُدرَجتان على لوائح الإرهاب في الأمم المتحدة؛ ومن ثم لابُدَّ من استئصالهما.

بسبب وُجُود مُواطِنين سوريِّين في إدلب لا ذنب لهم قلنا: إنَّ تحرير إدلب بالمُصالحة أفضل بكثير من إراقة الدماء، ودعمنا للاتفاق الروسيّ-التركيّ جاء من باب حرصنا على عدم إراقة الدماء، لكن لا يُمكِن أن نسكت على استمرار الوضع الراهن في إدلب إذا رفضت جبهة النصرة الانصياع لهذا الاتفاق.

نحن ناضلنا طيلة سبع سنوات ونصف من مُنطلـَّق الحرص على قرارنا الوطنيِّ المُستقِلِّ النابع من الشعب الذي تتبنـَّاه القيادة؛ لذا نستشير الأصدقاء، والحلفاء، ونتعاون معهم، ولكن في نهاية المطاف فإنَّ القرار سوريّ، ويجب أن ننتظر ردَّ الفعل الروسيِّ على ما يجري هناك؛ لأنَّ روسيا تُراقِب، وتُتابع، ومطلوب منها دوريَّات مُشترَكة في المنطقة العازلة؛ لذا علينا أن ننتظر، لكنَّ قواتنا المُسلـَّحة جاهزة في مُحِيط إدلب.

 

  • السؤال للدكتور الجعفريّ: الولايات المتحدة تستمرُّ بتزويد قوات سورية الديمقراطيَّة عبر الحُدُود العراقـيَّة بالأسلحة.. ما موقف الحكومة العراقـيَّة من استمرار إدخال الأسلحة إليها  عبر معبر سيمالكا الحُدُوديّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: التجاوز على السيادة العراقـيَّة خط أحمر غير مسموح به.. نعم، يستطيع بعقلـيَّة البلطجة، وعقلـيَّة الكاوبوي البعض أن يتجاوزوا على هذه الدولة وتلك الدولة، لكنَّ هذا ليس من موقع القبول به، بل رفضه.

لسنا في ذلك العالم الذي يبسط فيه القويُّ نفوذه على الدول الضعيفة.. لا أحد يتقـبَّل هذا.. بالنسبة لنا نرفض بضرس قاطع، ورفضناه سابقاً، ومازلنا نقول: هذا ليس من شأن أحد..

كنتُ في شرم الشيخ عندما هدَّدت أميركا الجارة سورية بالقصف، فألقيت كلمة في الجامعة العربيَّة؛ على إثرها اتصل بي وزير خارجيَّة أميركا، ووزير خارجيَّة بريطانيا، ونائب وزير خارجيَّة فرنسا، فقالوا: ليس قصدنا؛ لأني علـَّلتُ رفضي بأنـَّه إيذاء، وإلحاق الضرر بالمُواطِنين السوريِّين الأطفال، والنساء، والكبار، والشباب، والشُيُوخ، والمرضى، فكانوا يُطمئِنون بأنَّ الشعب غير مقصود، لكنَّ الأسلحة عندما تُستخدَم لا تتوجَّه أوتوماتيكيّاً للإرهابيِّين، بل تعمُّ الجميع.

ثم أين كنتم عندما استخدم صدّام الكيمياويّ في العراق 1988، وراح منا 4000 إلى 5000 مُواطِن كردي؟!

أصابكم الصمم..

لماذا لم تتحدَّثوا؟!

نحن نرفض بضرس قاطع مسألة ترويج الأسلحة، واستخدام أراضينا.

يجب أن يشهد العالم السلم، والمَحبَّة، والابتعاد عن شبح الحُرُوب.. وهذه ليس شيئاً غلطاً، بل الغلط هو الطرف المقابل الذي يُرِيد أن يتجاوز، ويُروِّج الأسلحة..

نحن دُعاة سلم، ونريد الأمن لبلدنا، ولبلدان المنطقة.. هم يشتغلون بمُعادَلة تحويل هذه المنطقة من منطقة مُعزَّزة بالثروات، ومناطق تقاطع الثروات العالميَّة المعنويَّة حيث الحضارة، والتاريخ، والأدب، والفكر إلى جانب الثروات النفطيّة، والمائيَّة، والزراعيَّة إلى مُصِيبة علينا.

أؤكـِّد لكم أنَّ هذا لن يطول، وسرعان ما تندحر موجات مُحاوَلة ابتزاز ثروات المنطقة.. هذه كلـُّها ستندحر، ولا تصمد.. دول العالم الآن على المحك، وعليها أن تُبرهِن أنـَّها فعلاً لا تُردِّد شعارات السلم والأمن، بل تلتزم باستحقاقات السلم والأمن.. وتـُوفـِّر لهذه الدول أمنها.. الطفل، والشيخ الكبير، والمريض، والمرأة.. كلُّ هؤلاء يستحقون أن يأخذوا حقهم الطبيعيَّ في العيش الكريم، وأيّ تجاوز عليهم هو خُرُوج عن الجانب الإنسانيّ.

مطالبنا مشروعة، ولا نكتفي بمشروعيَّة مطالبنا، بل ينبغي أن نرتقي إلى مُستوى قوة مُحامِينا؛ حتى لا تقع المطالب المشروعة ضحيَّة المُحامِي الفاشل.

نحن لا نستحي أن نُطالِب بحُقـُوقنا، ونُسمِع العالم بهذه المُطالبات، ونُذكـِّرهم بتاريخهم.. إلى الأمس القريب كانت الدولة القويَّة تأكل الدولة الضعيفة، وما إن تنطفئ نار الحرب إلا وتندلع نار حرب أخرى.. مناطقنا ما كانت فيها حُرُوب.. هذه الحُرُوب كانت موجودة عندهم، ونُذكـِّرهم بتاريخهم؛ حتى لا يُكرِّروا مآسيهم علينا..

لا نريد منهم شيئاً، لكن لا يتدخّلون في شُؤُوننا.. نحن مُصرِّون على الحفاظ على وضعنا الأمنيِّ، ووضعنا الاقتصاديّ.

 

  • السؤال للدكتور الجعفريّ: لماذا يشعر المرء أنَّ هناك حلقة مفقودة في العلاقات السوريَّة-العراقـيَّة على الرغم من وُجُود نوع من التنسيق المعقول والجيِّد بين البلدين طوال مُدَّة الأزمة إلا أنَّ الانطباع السائد هو أنَّ هذه العلاقات لم ترتقِ إلى المُستوى الستراتيجيِّ الذي تحدَّث عنه الوزير المعلم بالأمس، وكأنـَّه يحثكم عليه؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا تُوجَد حلقة مفقودة بمقدار ما هي ليست بمُستوى طموحنا.. ما نطمح له من العلاقات التي ترتقي إلى مصافِّ الدول المُتجانِسة اجتماعيّاً.

أنا أفهم أنَّ العلاقات السياسيَّة تعبير، ومرآة عن العلاقات الاجتماعيَّة.. فما يربط بين الشعب السوريِّ والشعب العراقيِّ الكثير..

المُجتمَعان السوريّ والعراقيّ مُتوائِمان، ومُنسجِمان إلى درجة كبيرة جدّاً.. أؤكـِّد لك أن مَن يتحرَّى الحقيقة بشكل دقيق سيجد أنـَّه لا يُوجَد ما يُعكـِّر صفو العلاقة الستراتيجيَّة بين هذين الشعبين.. يُوجَد تحابُب، وتوادد، واحترام مُتبادَل، ومصالح مُشترَكة..

حتى إذا كان هناك بعض العقبات، والصُعُوبات فالزمن كفيل بمعالجتها.. وما يربط العراق بسورية ليس شيئاً جزئيّاً، وطارئاً، بل قديم، وعريق، وستراتيجيّ، وبعيد الأمد.

أحمِّل الإعلاميِّين جزءاً من المسؤوليَّة في المساهمة بترويج أحسن العلاقات لصالح هذه الدول.. نحن مدعوّون أكثر من أيِّ وقت آخر لأن نرصَّ صفوفنا، ونعمل من أجل المُشترَكات بيننا وبين هذه الدول.

عليكم أن تنبروا، وتتصدَّوا لردم الثغرات البسيطة، والجزئيَّة الموجودة في مُجتمَعاتنا، وأنا على يقين أنـَّكم ستذوقون حلاوة الاستجابة.. أعداؤنا الآن يتربَّصون بنا الدوائر، ويُحاولون جهد الإمكان أن يُعرقِلوا مسيرتنا.. نعم، نحن انتهينا من الإرهاب في العراق، لكنّه لايزال موجوداً في الدول العربيَّة الأخرى. وعندما يتحدَّى الدول العربيَّة الأخرى فنحن نعتبر أنَّ العراق مُهدَّد ليس بالذات لكن بالصداقة، والأخوَّة.

ما توحَّدت أوروبا إلا بعد أن عملت بهذا المبدأ، وتأسَّس الناتو على ضوئها.. إنَّ أيَّ دولة أوروبيَّة تتهدَّد فهو تهديد، واعتداء على كلِّ دول أوروبا؛ فنشأ الناتو.. وكلّ ثروة اقتصاديَّة لدى أيِّ بلد تدرُّ عليه بالنفع هي لكلِّ الدول؛ فنشأت السوق الأوروبيَّة المُشترَكة.

عندما نتقاسم الهُمُوم، والمخاطر، والمصالح معاً نكون قد بدأنا البداية الصحيحة.

لا حلقة مفقودة من الناحية الفكريَّة.. لدينا مصالح مُشترَكة، وعلى المُستوى الستراتيجيِّ لا شيء في طريقنا يُعِيق حركتنا.

دول الجوار الجغرافيّ لديها أنظمة مُختلِفة، وكلُّ نظام له خُصُوصيَّته: (جمهوريّ، وملكيّ، وأميريّ، وولاية الفقيه، وليبرالي إسلاميّ)، ليس من حقنا أن نتدخّل في شُؤُونهم، ولكن علينا أن نحفظ سيادتنا، ونحفظ جسر العلاقة المُمتدَّ بيننا وبين هذه الدول.. فلا يُوجَد شيء يحول دون أن نبرم أقوى العلاقات معها.

 

  • السؤال للدكتور الجعفريّ: كيف يُمكِن أن ينعكس تشكيل الحكومة العراقـيَّة الجديدة على مُستوى التعاون بين البلدين على صعيد مكافحة الإرهاب، ولاسيَّما في ضوء التصريحات الأميركيَّة الأخيرة، وتصريحات بعض الأطراف العراقـيَّة حيال دور، ومُستقبَل الحشد الشعبيّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: على مُستوى التعاون فباب التعاون مفتوح، ونحن مُصِرُّون عليه؛ لأنـَّه يدخل في ستراتيجيَّاتنا اقتصاديّاً، وسياسيّاً.. العراق مُتمسِّك بهذه الحالة، وعبَّر في أكثر من رسالة إلى كلِّ دول العالم بأنـَّنا لا نسمح بالتدخُّل في شُؤُوننا، ولا ننتظر مِنحة تمنُّ بها علينا دولة، وتمنعنا دولة.. هذا حقٌّ طبيعيٌّ، كما أنـَّهم بينهم يُمارسون نفس الحقّ؛ على قاعدة: حكم الأمثال فيما يجوز، وما لا يجوز واحد.

أمَّا مُستقبل الحشد الشعبيّ، فهو اليوم أصبح جزءاً من القوات المسلحة، وصوَّت عليه البرلمان العراقيّ، وفي الوقت نفسه خاض غمار معركة التحرير في المحافظات، وأبلى بلاءً حسناً، فهو شأن عراقي بغطاء دستوريّ، واستطاع أن يحظى بثقة العراقـيِّين.

قبل أن يكون الحشد الشعبيّ في العراق كانت هناك كثير من الجُيُوش الشعبيَّة، لكنَّ مضمونها واحد.. كلُّ دول العالم عندما تمرُّ بأزمات أمنيَّة تتبنـَّى مبادئ الجُيُوش الساندة؛ وقد رفد الحشد الشعبيّ عمليَّة المُقاوَمة ضدّ داعش، وحقـَّق فارقاً نوعيّاً مُمتازاً.

والجميع أقرُّوا له.. وفي وقت من الأوقات كان عندما تأتي كلمة الحشد الشعبيّ في مُؤتمَرات القِمَّة العربيَّة، أو الأمم المتحدة كان يُسبِّب صعقة، ومع ذلك أصررنا في الخطابات العامّة في أروقة الأمم المتحدة، والجامعة العربيَّة، والاتحاد الأوروبيّ على التحدُّث عن الحشد الشعبيِّ، واعتمدنا مبدأ الحوار المُباشِر مع كلِّ دولة، ونُريهم مصاديق.

عندما يقولون: الحشد الشعبيّ شيعيّ. نقول لهم: تعالوا، وانظروا أنَّ أوَّل شهيد بالحشد الشعبيّ سُنـِّيّ، وغيرها من الشواهد.

أين الطائفيَّة؟

الطائفيَّة موجودة في رُؤُوسكم؛ لأنـَّكم تسمعون لإعلام مُغرِض.

لنعترف أنَّ الإعلام مُخترَق.. الإعلام دولاب يستطيع أن يُقرِّب حقائق، ويُزوِّر حقائق، وأحياناً يكتب على ضوء الحقيقة، وأحياناً يكتب من وحي الخيال، والارتزاق ولو كانوا قلة، لكنَّ هذا يُشوِّه صورة الإعلاميِّ التي هي أقرب إلى طبع الأنبياء.

الحشد الشعبيّ، وقوات مكافحة الإرهاب، وكلّ فصائل الجيش العراقيّ أدافع عنها، وأحتضنها، وأعتزّ بها، وليس في العراق فقط، بل في كلِّ بلد من بلدان العالم ساهم في التحرير، وحقن دماءً، وحفظ الكرامة، والأموال أعتزّ بها.

نتطلـَّع إلى ذلك اليوم الذي تختفي فيه آثار الحُرُوب، وتُولـِّي غير مأسوف عليها، ولكن إذا كان لابُدَّ من الحرب فيجب أن نأتي بخِيَرَة ما لدينا من أبنائنا، وأعزَّائنا؛ حتى يُدافِعوا عن حياض البلد، وكرامته.


العودة إلى صفحة الأخبار


 الرئيسية  |  الأخبار  |  إبراهيم الجعفري  |  تيار الإصلاح الوطني  |  رسائل الأيام  |  كلمات  |  الصور  |  المكتبة  |  الفيديو  |  اتصل بنا 
E-mail : med@al-jaffaary.net
جميع الحقوق محفوظة لـموقع الدكتور ابراهيم الجعفري©2010 - 2024
استضافة وتصميم وبرمجة ويب اكاديمي

Powered by web academy