|
الذِّئْبُ لِلْوَهْلَةِ الأُوْلَى يُرْعِبُ مَنْ يَنَظْرُ إِلَيْهِ، وَيَبْعَثُ فِيْهِ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْخَوْفِ، وَيَسْتَحِثُّ نَفْسَهُ عَلَى الْهَرَبِ، غَيْرَ أَنَّ الذِّئْبَ هَذَا لَيْسَتْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّقَمُّصِ بِحَيْثُ يُخْفِي طَبْعَهُ الْوَحْشِيَّ، وَيُظْهِرُ طَبْعاً مُسَالِماً؛ مِمَّا يُوْقِعُ فَرِيْسَتَهُ فِيْ حَبَائِلِ مَكْرِهِ عَلَى خِلافِ طَبِيْعَةِ "الإِنْسَانِ الْمُسْتَأْذِبِ" الَّتِيْ تَخْضَعُ كَامِلاً لِتَحَكُّمِ إِرَادَتِهِ، فَهُوَ بِمَقْدُوْرِهِ أَنْ يَعْكِسَ صُوْرَةً مُسَالِمَةً مَعَ مَنْ يَتَعَامَلُ مَعَهُ، وَيُضْمِرُ بِدَاخِلِهِ حَقِيْقَةً عُدْوَانِيَّةً حَاقِدَةً..
ثُمَّ إِنَّ فِيْ طَبْعِ الذِّئْبِ نَزْعَةً عُدْوَانِيَّةً لا تَقِفُ عِنْدُ حُدُوْدِ أَكْلِ الْفَرِيْسَةِ، بَلْ تَتَعَدَّاهَا لِقَتْلِ أَعْدَادٍ مُضَاعَفَةٍ مِنَ الضَّحَايَا؛ وَبِذَلِكَ يُحْدِثُ أَكْبَرَ الْخَسَائِرِ فِيْ قَطِيْعِ الْحَيَوَانَاِت الَّتِيْ يَغِيْرُ عَلَيْهَا مُخَلِّفاً فِيْهَا أَفْدَحَ الأَضْرَارِ..
نَعِيْشُ الْيَوْمَ عَالَماً فِيْهِ تَفَاوُتٌ كَبِيْرٌ بَيْنَ الادِّعَاءَاتِ، وَحَقَائِقِ مَا يَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْوَاقِعِ؛ مِمَّا يَعْنِي أَنَّ الْكَثِيْرَ مِنَ الْعَنَاوِيْنِ الَّتِيْ تُطْرَحُ تَأْخُذُ شَكلاً بَرَّاقاً مِنْ حَيْثُ الإِسْمُ، لَكِنَّهَا تَنْطَوِي عَلَى مَضَاَمِيْنَ مُغَايِرَةٍ لا تَبْدُو عَلَى حَقِيْقَتِهَا لِلْوَهْلَةِ الأُوْلَى..
أَحَدُ هَذِهِ الْمَفَاهِيْمِ هُوَ "الدِّبْلُوْمَاسِيَّةُ" الَّذِيْ شَاعَ عُنْوَانُهُ، وَتَطَوَّرَ اسْتِعْمَالُه..
تَعْرِيْفُ الدِّبْلُوْمَاسِيَّةِ كَمَا وَرَدَ فِيْ أَحَدِ الْمَصَادِرِ: [مَجْمُوْعَةُ الْمَفَاهِيْمِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَالإِجْرَاءَاتِ، وَالْمَرَاسِمِ، وَالْمُؤَسَّسَاتِ، وَالأَعْرَافِ الدَّوْلِيَّةِ الَّتِيْ تُنَظِّمُ الْعَلاقَاتِ بَيْنَ الدُّوَلِ، وَالْمُنَظَّمَاتِ الدَّوْلِيَّةِ، وَالْمُمَثِّلِيْنَ الدِّبُلْوُمَاسِيِّيْنَ؛ بِهَدَفِ خِدْمَةِ الْمَصَالِحِ الْعُلْيَا (الأَمْنِيَّةِ، وَالاقْتِصَادِيَّةِ) وَالسِّيَاسَاتِ الْعَامَّةِ]..
إِنَّهُ يَعْنِي -بِالضَّرُوْرَةِ- التَّطَرُّفَ، وَيَعْنِي الانْقِطَاعَ عَنِ الْغَالِبِيِّةِ الْمُعْتَدِلَةِ سَوَاءٌ بِهَذَا الاتِّجَاهِ، أَمِ الاتِّجَاهِ الْمُغَايِر.. بَيْنَمَا الْوَسَطِيَّةُ تَعْنِي الرَّفْضَ الْوَاعِيَ لِلتَّطَرُّفِ بِالاتِّجَاهَيْنِ؛ وَهُوَ مَا يَعْنِي الْفَهْمَ الْمُعَمَّقَ، وَالإِرَادَةَ الْفَاعِلَةَ الَّتِيْ تَرْفُضُ بِوَعْيٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَتَتَمَسَّكُ بِوَعْيٍ، وَشَجَاعَةٍ كَذَلِكَ..
وَعْيُ الاتِّجَاهِ الْمَادِّيِّ الصِّرْفِ، وَالْمُتَطَرِّفِ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ الرَّأْسِمْالِيّ مِنْهُ، وَالْمَارْكِسِيِّ، وَوَعْيُ الاتِّجَاهِ الْمَعْنَوِيِّ الْمُتَطَرِّفِ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ الصُّوْفِيِّ مِنْهُ، وَالْوُجُوْدِيُّ، وَوَعْيُ تَحْكِيْمِ إِرَادَةِ الْفَرْدِ بِالْمُجْتَمَعِ، أَوْ تَذْوِيْبِ الْفَرْدِ بِإِرَادَةِ الْمُجْتَمَعِ..
لِكُلِّ إِنْسَانٍ هُوِيَّةٌ، وَكَذَا لِكُلِّ مُجْتَمَعٍ، وَكُلِّ دَوْلَةٍ، وَهِيَ تَرْمُزُ لِلانْتِمَاءِ مِنْ جَوَانِبَ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَيْثُ تَكُوْنُ مُسْتَوْفِيَةً لِكُلِّ جَوَانِبِ شَخْصِيَّتِهِ الْمَعْنَوِيَّةِ.
وَعَادَةً مَا تَكُوْنُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ هُوِيَّةٌ وَاحِدَةٌ يُعْرَفُ بِهَا، وُيُعَرَّفُ بِهَا لَدَى الآخَرِيْنَ، و [تُعَرَّفُ الْهُوِيَّةُ فِي اللُّغَةِ بِأَنَّهَا مُصْطَلَحٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الضَّمِيْرِ هُوَ. وَمَعْنَاهَا صِفَاتُ الإِنْسَانِ وَحَقِيْقَتُهُ، وَأَيْضاً تُسْتَخْدَمُ لِلإِشَارَةِ إِلَى الْمَعَالِمِ، وَالْخَصَائِصِ الَّتِيْ تَتَمَيَّزُ بِهَا الشَّخْصِيَّةُ الْفَرْدِيَّة]..
حَرَكَتَا الارْتِقَاءِ إِلَى الأَعْلَى، وَالْهُبُوْطِ إِلَى الأَسْفَلِ كَثِيْراً مَا تَتَعَرَّضُ لَهَا مُجْتَمَعَاتُ الْعَالَمِ.. وَمِنْ أَنْكَى مَا يَرَاهُ الْمَرْءُ هُوَ الطَّبَقَةُ الْمُتَصَدِّيَةُ الَّتِيْ تَعْمَلُ عَلَى تَجْهِيْلِ النَّاسِ، وَتَسْطِيْحِ ثَقَافَتِهِمْ؛ لِيُرَاوِحُوْا فِي الْمُسْتَوَى الأَدْنَى مِنَ الثَّقَافَة..
مَسِيْرَةُ الإِنْسَانِ فِي الأَوْسَاطِ الاجْتِمَاعِيَّةِ تَكْشِفُ لَهُ أَنَّ الَّذِيْنَ مِنْ حَوْلِهِ يَخْتَلِفُوْنَ فِيْ مَوَاهِبِهِمْ. فَمِنْهُمْ: مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ مُسْتَوَىً، وَأَكْثَرُ أَخْلاقاً، وَأَوْسَعُ عِلْماً، وَأَخْصَبُ تَجْرِبَةً، وَلا يَجِدُ مَا يُبَرِّرُ تَفْوِيْتَ أَيِّ فُرْصَةٍ لِلأَخْذِ مِنْهُ، وَالتَّعَلُّمِ مِمَّا يَفِيْضُ بِهِ، وَمِنْهُمْ: مَنْ هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ..
نُوَدِّعُ رَمَضَانَ الأَدَاءَ، وَنُوَاصِلُ رَمَضَانَ الإِقَامَةَ فِيْ شَهْرِ الأَدَاءِ، أَيْ: الصَّوْمِ عَنِ الأَكْلِ، وَالشُّرْبِ وَبَاقِي الْمُفْطِرَاتِ، أَمَّا صَوْمُ الْجَوَارِحِ كَالْعَيْنِ وَمَا تَتَعَرَّضُ لَهُ مِنْ خَائِنَةِ الأَعْيُنْ، وَالأُذُنِ وَمَا تَتَعَرَّضُ لَهُ مِنَ الاسْتِمَاعِ لِلْمُنْكَرِ، وَاللِّسَانِ وَمَا يَتَعَرَّضُ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الإِنْسَانِ وَهُوَ مَيْتٌ، وَالْقَلْبِ وَمَا يَنْتَابُهُ مِنْ مُفَارَقَاتِ سُوْءِ الظَّنِّ، وَالأَحْقَادِ:
((وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)) {الإسراء/36}..
طَفَحَتْ عَلَى السَّطْحِ الإِعْلامِيِّ ظَاهِرَةُ "الصَّخَب" الَّذِيْ يَصِلُ حَدَّ "النَّعِيْق"؛ مِمَّا يُشَكِّلُ حَاجِزاً يَحُوْلُ دُوْنَ فَهْمِ الْحِوَارِ الْمَطْرُوْحِ، وَيَمْنَعُ الاسْتِمَاعَ، وَالتَّفَاعُلَ مَعَهُ إِلَى نِهَايَتِهِ..
لا يُنْكِرُ أَحَدٌ مَا تَتَطَلَّبُهُ بَعْضُ الْمَوْضُوْعَاتِ الَّتِيْ تَسْتَفِزُّ الْمُتَحَدِّثِ مِنْ حَمَاسٍ فِيْمَا يَحْمِلُ مِنْ أَفْكَارٍ، وَالْمُسْتَمِعِ بِمَا يَرْغَبُ مِنْ أَسَالِيْبَ، وَإِثَارَاتٍ، لَكِنَّهَا تَبْقَى اسْتِثْنَائِيَّةً... الْقُوَّةُ بِالْمَفْهُوْمِ لَدَى الْمُتَحَدِّثِ تَحْتَاجُ إِلَى حُسْنِ التَّعْبِيْرِ، وَالأُسْلُوْبِ الْهَادِئِ لِتُعِيْنَ الْمُتَلَقِّيَ عَلَى التَّرْكِيْزِ، وَعَدَمِ الشُّرُوْدِ عَنْهَا..
فِيْ زَحْمَةِ تَحَدِّيَاتٍ، وَاشْتِدَادِ فِتَنٍ، وَتَرَاكُمِ أَحْزَانٍ لَدَى الْبَعْضِ، وَنَحْنُ عَلَى مَشَارِفِ وَدَاعِ شَهْرِ صَوْمِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ، وَلابُدَّ لاسْتِقْبَالِ عِيْدِهِ الْمَأْمُوْلِ؛ حَتَّى نَبْدَأَ حَيَاةً تَشْهَدُ حَرَاكاً شَامِلاً سَارّاً تَمْتَزِجُ فِيْهِ الأُمُوْرُ الْفَرْدِيَّةُ، وَالْعَائِلِيَّةُ، وَالاجْتِمَاعِيَّةُ.. وَتُطْوَى فِيْهِ صَفَحَاتُ عَتَبٍ، وَنَقْدٍ، وَتَلاوُمٍ، وَتَقْصِيْرٍ؛ لِتُطِلَّ مِنْ عَلْيَاءِ التَّسَامُحِ بِفَتْحِ صَفْحَةٍ جَدِيْدَةٍ، وَتُقْرَعَ أَجْرَاسُ الْعَفْوِ الْمُنْطَلِقَةِ مِمَّنَ تَشَبَّعَ بِالإِيْمَانِ، وَالثِّقَةِ بِاللهِ (سبحانه وتعالى)، وَبِالنَّفْسِ، وَصَمَّمَ عَلَى الشُّرُوْعِ فِيْ التَّسَامِي لِيَخُطَّ مَسَارَاتٍ فِي التَّفَاعُلِ بَعْدَ الصَّوْمِ؛ لِيَتحَرَّرَ مِنْ سِجْنِ الانْفِعَالِ بِالشَّهَوَاتِ حَتَّى لا يَرْزَحَ تَحْتَ عُقَدِ الْحِقْدِ وَالْكَرَاهِيَةِ..
كُلُّنَا نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ عُرْضَةٌ لِلْخَطَأِ، وَالتَّقْصِيْرِ مَهْمَا بَلَغَ ماَدَامَ غَيْرَ مَعْصُوْمٍ، وَالْمَفْرُوْضُ أَنْ يَضَعَ الْمُعَادِلَ لِلْخَطَأِ، وَكَذَا الْخَطِيْئَةُ، وَهُوَ الاعْتِرَافُ بِهِ حِيْنَ يَحْصُلُ، وَالاعْتِذَارُ مِنْ جَمِيْعِ الْمُتَضَرِّرِيْنَ مِنْهُ..
أَجْوَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ تُشَجِّعُ عَلَى الْعَوْدَةِ، وَيُقْصَدُ بِهَا الرُّجُوْعُ إِلَى الْفِطْرَةِ الَّتِيْ فَطَرَهُ اللهُ (سبحانه وتعالى) عَلَيْهَا؛ لأَنَّ الإِنْسَانَ بِفِطْرَتِهِ مُسَالِمٌ يُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكَرْهُ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لَهَا، لَكِنَّ الانْغِمَاسَ بِتَفَاصِيْلِ الْحَيَاةِ الْمَادِّيَّةِ يَجُرُّهُ لارْتِكَابِ مِثْلِ تِلْكَ الأَخْطَاءِ، أَوِ الْخَطَايَا! وَسُرْعَانَ مَا يُحِسُّ بِدَاخِلِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِيْنٍ أَنَّهُ ارْتكَبَ خَطَأً مَا..
بِصَرِيْحِ الْقُرْآنِ الْكَرِيْمِ إِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ؛ لاقْتِرَانِهَا بِأَحْدَاثٍ عَلَى غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ. فَفِيْهَا تُقَدُّرُ الأَعْمَارُ، وَالآجَالُ، وَفِيْهَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِقَبُوْلِ الدَّعَوَاتِ، وَغُفْرَانِ الذُّنُوْبِ، وَفِيْهَا الْكَثِيْرُ الَكَثِيْرُ مِمَّا وَرَدَ فِي الرِّوَايَاتِ الَّتِيْ بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُر..
وَلَنَا أَنْ نَسْتَنْطِقَ نَصّاً شَرِيْفاً كَهَذَا مُحَاوِلِيْنَ التَّقَرُّبَ مِمَّا يُوْحِيْهِ. فَلَيْلَةٌ يُنَزَّلُ فِيْهَا أَشْرَفُ كُتُبِ اللهِ، وَيُعَيَّنُ فِيْهَا أَشْرَفُ رُسُلِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وَيَتَوَلَّى بِنَاء أُمَّةٍ يُرَادُ لَهَا أَنْ تَكُوْنَ خَيْرَ أُمَّةٍ، وَتَحْتَلَّ مَوْقِعَ الْوَسَطِيَّةِ بَيْنَ بَاقِي الأُمَمِ جَدِيْرَةٌ بِالتَّقْدِيْسِ، وَالإِحْيَاءِ..
|
|