|
ليلة القدر
قراءات | 18-08-2019
لَيْلَةُ الْقَدْرِ بِصَرِيْحِ الْقُرْآنِ الْكَرِيْمِ إِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ؛ لاقْتِرَانِهَا بِأَحْدَاثٍ عَلَى غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ. فَفِيْهَا تُقَدُّرُ الأَعْمَارُ، وَالآجَالُ، وَفِيْهَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِقَبُوْلِ الدَّعَوَاتِ، وَغُفْرَانِ الذُّنُوْبِ، وَفِيْهَا الْكَثِيْرُ الَكَثِيْرُ مِمَّا وَرَدَ فِي الرِّوَايَاتِ الَّتِيْ بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُر.. وَلَنَا أَنْ نَسْتَنْطِقَ نَصّاً شَرِيْفاً كَهَذَا مُحَاوِلِيْنَ التَّقَرُّبَ مِمَّا يُوْحِيْهِ. فَلَيْلَةٌ يُنَزَّلُ فِيْهَا أَشْرَفُ كُتُبِ اللهِ، وَيُعَيَّنُ فِيْهَا أَشْرَفُ رُسُلِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وَيَتَوَلَّى بِنَاء أُمَّةٍ يُرَادُ لَهَا أَنْ تَكُوْنَ خَيْرَ أُمَّةٍ، وَتَحْتَلَّ مَوْقِعَ الْوَسَطِيَّةِ بَيْنَ بَاقِي الأُمَمِ جَدِيْرَةٌ بِالتَّقْدِيْسِ، وَالإِحْيَاءِ. فَكُتُبُ اللهِ (سبحانه وتعالى) تُمَثِّلُ أَعْلَى قِيْمَةٍ فِيْ حَيَاةِ الإِنْسَانِ فَكَيْفَ بِأَشْرَفِ الْكُتُبِ الْقُرْآنِ الْكَرِيْمِ الَّذِيْ يَصِفُ نَفْسَهُ: ))لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُوْنَ(( {الحشر/21}.. وَفِيْ آيَةٍ شَرِيْفَةٍ أُخْرَى: ))يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(( {يونس/57-58}.. إِنَّ لَيْلَةً تُقْرَنُ بِوِلادَةِ كِتَابٍ يَتَوَلَّى بِنَاءَ أُمَّةٍ، وَيَنْقُلُهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ (النَّاس) إِلَى حَيْثُ يُرِيْدُ لَهَا سُبْحَانَهُ (الْمُؤْمِنِيْنَ) عِبْرَ أَرْبَعِ مَرَاحِلَ، أَوَّلاً: قَرَعَ الْعَقْلَ بِالْمَوْعِظَةِ لإِزَالَةِ مَا عَلِقَ بِهِ مِنَ الْخُرَافَاتِ، وَالأَفْكَارِ الْفَاسِدَةِ، وَتَحْرِيْرِهِ مِنْ عَادَاتِ، وَتَقَالِيْدِ السُّوْءِ؛ لِيَنْتَقِلَ ثَانِياً: لِلْقَلْبِ، وَعَلاجِهِ مِمَّا اعْتَرَاهُ مِنَ الأَمْرَاضِ الأَخْلاقِيَّةِ كَالْحَسَدِ، وَالْحِقْدِ، وَالْغِلِّ، وَسُوْءِ الظَّنِّ، وَتَطْهِيْرِهِ مِنْهَا، ثُمَّ يَنْتَقِلُ ثَالِثاً: إِلَى وَضْعِ الإِنْسَانِ عَلَى جَادَّةِ الْهُدَى بَعِيْداً عَنْ أَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّلالِ؛ لِيَنْتَهِيَ بِهِ رَابِعاً، وَأَخِيْراً: إِلَى شَاطِئِ الرَّحْمَةِ الَّذِيْ يَعْنِي إِيْذَاناً بِوِلادَةِ الإِنْسَانِ مِنْ جَدِيْدٍ فَرْداً، وَأُمَّة.. وَيَضَعُ مِعْيَارَ الْفَرَحِ الْحَقِيْقِيِّ، وَلَيْسَ الزَّائِفَ صَادِحاً: "فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوْا"، وَلَيْسَ مَا يَجْمَعُوْنَ مِنَ الْكَسْبِ الْمَادِّيِّ! لَيْلَةُ الْقَدْرِ وِلادَةُ قِيَادَةٍ. فَأُمَّةٌ بِلا قِيَادَةٍ تَضِيْعُ فِيْ مَتَاهَاتِ الْحَيَاةِ مَهْمَا كَانَتْ مُقَوِّمَاتُهَا، وَإِرَادَتُهَا.. بِهَذِهِ الْوِلادَاتِ وِلادَةِ أُمَّةٍ، وَوِلادَةِ رِسَالَةٍ، وَوِلادَةِ قِيَادَةٍ تَكُوْنُ عَلَى مَشَارِفِ وِلادَةِ دَوْلَةٍ تُنْبِئُ بِإِقَامَةِ الْعَدْلِ، وَتُشِيْعُ رُوْحَ الْمَحَبَّةِ، وَالْعَفْوَ، وَالتَّسَامُحَ.. وَأَمَّا الإِنْسَانُ وَمَهْمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَعْصُوْمِيْنَ (عليهم السلام) عُرْضَةٌ لِلْخَطَأِ؛ مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُ بِأَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى التَّوْبَةِ، وَالرُّجُوْعِ إِلَى اللهِ (سبحانه وتعالى)؛ لِئَلاّ يَسْتَبِدَّ بِهِ الْيَأْسُ، أَوْ يَتَمَادَى بِالتَّسْوِيْفِ، فَيَكُوْنَ عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ لَيْلَةٍ هِيَ لَيْسَتْ كَبَاقِي اللَّيَالِي، إِذْ تُفْتَحُ فِيْهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِغُفْرَانِ الذُّنُوْبِ، وَقَبُوْلِ الدُّعَاءِ، وَلِتَضَعَ الْمُؤْمِنِيْنَ عَلَى مَشَارِفِ مَرْحَلَةٍ جَدِيْدَةٍ، بَلْ وِلادَةٍ جَدِيْدَةٍ يَسْتَأْنِفُوْنَ فِيْهَا حَيَاتَهُمْ كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ مِنْ جَدِيْدٍ.. وَلَيْلَةٌ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِذْ تُقَدَّرُ فِيْهَا الأَعْمَالُ، وَالأَعْمَارُ لا يَنْبَغِي أَنْ تَمُرَّ مِنْ دُوْنِ اسْتِثْمَارٍ بِالدُّعَاءِ، وَالتَّوْبَةِ، وَطَلَبِ الْعِلْمِ، وَاكْتِسَابِ مَا يَنْبَغِي اكْتِسَابُهُ مِنَ الصِّفَاتِ الْخَيِّرَةِ، وَالتَّخَلُّصِ مِمَّا يُفْتَرَضُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ مِنَ الصِّفَاتِ السَّيِّئَةِ، وَإِبْرَاءِ الذِّمَم.. إِنَّ لَيْلَةً كَهَذِهِ اللَّيْلَةِ سَبَقَتْهَا أَيَّامٌ رَمَضَانِيَّةٌ اتَّسَمَتْ بِالصَّوْمِ، وَتَكَلَّلَتْ بِخَالِصِ الدَّعَوَاتِ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُرَوِّضَ الصَّائِمَ، وَتُعِدُّهُ لِلَيْلَةِ الْقَدَرِ بِمِقْدَارِ مَا يَتَحَلَّى مِنْ طُهْرِ الْقَلْبِ، وَصَفَاءِ النَّفْسِ، وَقُوَّةِ الإِرَادَةِ؛ لِيَكُوْنَ عَلَى كَامِلِ الاسْتِعْدَادِ، وَأَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ آخَرَ لِلْعَفْوِ عَنِ الْمُسِيْئِيْنَ، وَالشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ، وَالتَّجَاوُزِ عَنِ الْخَطَأِ، وَالتَّحَلِّي بِالأَخْلاقِ الْكَرِيْمَةِ مِنَ الصِّدْقِ، وَالْوَفَاءِ، وَالأَمَانَةِ، وَالإِصْلاحِ، وَالْكَرَم..
الأحد 18/رمضان/1439 الْمُوَافِقُ 3/6/2018 |
|