|
حوارية الهدوء والصخب
قراءات | 18-08-2019
حِوَارِيَّةُ الْهُدُوْءِ وَالصَّخَب طَفَحَتْ عَلَى السَّطْحِ الإِعْلامِيِّ ظَاهِرَةُ "الصَّخَب" الَّذِيْ يَصِلُ حَدَّ "النَّعِيْق"؛ مِمَّا يُشَكِّلُ حَاجِزاً يَحُوْلُ دُوْنَ فَهْمِ الْحِوَارِ الْمَطْرُوْحِ، وَيَمْنَعُ الاسْتِمَاعَ، وَالتَّفَاعُلَ مَعَهُ إِلَى نِهَايَتِهِ.. لا يُنْكِرُ أَحَدٌ مَا تَتَطَلَّبُهُ بَعْضُ الْمَوْضُوْعَاتِ الَّتِيْ تَسْتَفِزُّ الْمُتَحَدِّثِ مِنْ حَمَاسٍ فِيْمَا يَحْمِلُ مِنْ أَفْكَارٍ، وَالْمُسْتَمِعِ بِمَا يَرْغَبُ مِنْ أَسَالِيْبَ، وَإِثَارَاتٍ، لَكِنَّهَا تَبْقَى اسْتِثْنَائِيَّةً... الْقُوَّةُ بِالْمَفْهُوْمِ لَدَى الْمُتَحَدِّثِ تَحْتَاجُ إِلَى حُسْنِ التَّعْبِيْرِ، وَالأُسْلُوْبِ الْهَادِئِ لِتُعِيْنَ الْمُتَلَقِّيَ عَلَى التَّرْكِيْزِ، وَعَدَمِ الشُّرُوْدِ عَنْهَا.. وَهِيَ وَعَلَى طَبِيْعَتِهَا تُضْفِي عُنْصُرَ تَشْوِيْقٍ عَلَى مُحْتَوَى الْحَدِيْثِ، وَقَدْ لا تَقِفُ "ظَاهِرَةُ الصَّخَبِ" عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ إِنَّمَا تَتَعَدَّاهُ إِلَى "ظَاهِرَةِ النَّعِيْقِ"، وَالَّذِيْ يُثِيْرُ الْفِتْنَةَ لَدَى الْوَسَطِ الْمُتَفَاعِلِ مَعَهُ.. وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ عَلَى صَوْتِ الْمُهَيِّجِ لِلْفِتْنَةِ بِالنَّعِيْقِ [صَوْتُ صَيَاحِ الْمُهَيِّجِ لِلْفِتْنَةِ].. وَمِمَّا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيْمِ: ))وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ(( {البقرة/171}.. فَمِنَ الضَّعْفِ أَنْ يَتَنَازَلَ الإِنْسَانُ عَمَّا يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ أَفْكَارٍ، لَكِنْ مِنَ الْقُوَّةِ أَنْ يَتَنَزَّلَ فِي الأُسْلُوْبِ.. ))اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(( {طه/43-44}.. فَبِمِقْدَارِ مَا يُتِيْحُ التَّنَزُّلُ فِي الأُسْلُوْبِ فُرْصَةً لِلْوُضُوْحِ، وَحَافِزاً لِلتَّلَقِّي لَدَى الآخَرِ يَكُوْنُ التَّنَازُلُ عَنِ الْفِكْرِ عَامِلَ ضَعْفٍ، وَانْتِهَاكاً لَهُ.. إِنَّ خِدْمَةَ الْفِكْرِ مِنْ قِبَلِ ذَاتِ الإِنْسَانِ غَيْرُ اسْتِخْدَامِهِ مِنْ أَجْلِ ذَاتِهِ.. لَقَدْ وَصَلَتْ خِدْمَةُ الْمَبَادِئِ حَدَّ التَّضْحِيَةِ بِالنَّفْسِ! جَعْلُ الذَّاتِ هَدَفاً يُفَوِّتُ الْفُرْصَةَ مِنْ أَيَادِي أَطْرَافِهِ مِنَ التَّمَتُّعِ بِنِعْمَةِ الْمُرَاجَعَةِ الْجَادَّةِ الَّتِيْ يَشْعُرُ مَعَهَا صَاحِبُهَا بِلَذَّةِ التَّوَاضُعِ، وَالاسْتِمْتَاعِ بِالْبَحْثِ عَنِ الْحَقِّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى لِسَانِ الآخَر: ))وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(( {سبأ/24}.. إِنَّ مُرْتَكَزاً كَهَذَا يَخْتَلِفُ تَمَاماً عَنْ مُرْتَكَزِ تَقْدِيْسِ الذَّاتِ، وَجَعْلِهَا خَالِيَةً مِنَ الْخَطَأِ، كَمَا أَنَّ رَبْطَ الْمَشَاعِرِ بِهَا بَدَلاً مِنَ الْفِكْرِ يَجْعَلُهَا رَهِيْنَةَ الْعَاطِفَةِ، وَمُتَأَثِّرَةَ بِتَقَلُّبِهَا؛ وَهُوَ مَا أَدَّى بِبَعْضِ مَظَاهِرِ الْحِوَارِ أَنْ تَكُوْنَ مَحْكُوْمَةً بِرُكُوْبِ الرَّأْسِ، وَعَدَمِ التَّسْلِيْمِ لِلدَّلِيْلِ الْقَوِيِّ، وَالْحُجَّةِ الْمَوْضُوْعِيَّةِ مَهْمَا بَلَغَتْ.. رُغْمَ رِسَالَةِ الإِعْلامِ الأَصِيْلَةِ الَّتِيْ هِيَ الأَقْرَبُ لِمَهَمَّاتِ الْمُصْلِحِيْنَ يَبْقَى الإِعْلامُ الَّذِيْ يُجَانِبُ الْحَقِيْقَةَ يُعَانِي مِنَ الارْتِهَانِ، وَمُخْتَنِقاً بِذَاتِ الْمُمَوِّلِيْنَ، وَيَبْحَثُ عَنِ الْمُتَوَاطِئِيْنَ مَعَ مَا يُرِيْدُ، وَلَوْ بَعِيْداً عَنِ الصَّوَابِ! وَلَوْ كَانَ أَطْرَافُ الْحِوَارِ كِبَاراً كُبْرَ الْقِيَمِ، وَمُتَحَرِّيْنَ عَنِ الْحَقِيْقَةِ أَيْنَمَا تَكُوْنُ لانْتَظَمَتْ أَهْدَافُهُمْ صَوْبَ الْبَحْثِ عَنْهَا بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ هُوِيَّة حَامِلِيْهَا..
الإثنين 26/رمضان/1439 الْمُوَافِقُ 11/6/2018 |
|