|
ذئاب بجلود بشر!
قراءات | 18-08-2019
ذِئَابٌ بِجُلُوْدِ بَشَرٍ! الذِّئْبُ لِلْوَهْلَةِ الأُوْلَى يُرْعِبُ مَنْ يَنَظْرُ إِلَيْهِ، وَيَبْعَثُ فِيْهِ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْخَوْفِ، وَيَسْتَحِثُّ نَفْسَهُ عَلَى الْهَرَبِ، غَيْرَ أَنَّ الذِّئْبَ هَذَا لَيْسَتْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّقَمُّصِ بِحَيْثُ يُخْفِي طَبْعَهُ الْوَحْشِيَّ، وَيُظْهِرُ طَبْعاً مُسَالِماً؛ مِمَّا يُوْقِعُ فَرِيْسَتَهُ فِيْ حَبَائِلِ مَكْرِهِ عَلَى خِلافِ طَبِيْعَةِ "الإِنْسَانِ الْمُسْتَأْذِبِ" الَّتِيْ تَخْضَعُ كَامِلاً لِتَحَكُّمِ إِرَادَتِهِ، فَهُوَ بِمَقْدُوْرِهِ أَنْ يَعْكِسَ صُوْرَةً مُسَالِمَةً مَعَ مَنْ يَتَعَامَلُ مَعَهُ، وَيُضْمِرُ بِدَاخِلِهِ حَقِيْقَةً عُدْوَانِيَّةً حَاقِدَةً.. ثُمَّ إِنَّ فِيْ طَبْعِ الذِّئْبِ نَزْعَةً عُدْوَانِيَّةً لا تَقِفُ عِنْدُ حُدُوْدِ أَكْلِ الْفَرِيْسَةِ، بَلْ تَتَعَدَّاهَا لِقَتْلِ أَعْدَادٍ مُضَاعَفَةٍ مِنَ الضَّحَايَا؛ وَبِذَلِكَ يُحْدِثُ أَكْبَرَ الْخَسَائِرِ فِيْ قَطِيْعِ الْحَيَوَانَاِت الَّتِيْ يَغِيْرُ عَلَيْهَا مُخَلِّفاً فِيْهَا أَفْدَحَ الأَضْرَارِ.. فِيْ عَالَمِ الإِنْسَانِ وَمَعَ تَوَافُرِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّقَمُّصِ، أَيْ: التَّظَاهُرِ بِوَجْهٍ، وَإِخْفَاءِ وَجْهٍ آخَرَ يَخْتَلِفُ تَمَاماً. فَفِي الْوَقْتِ الَّذِيْ يَظْهَرُ بِوَجْهِ الْمُحِبِّ، وَالْمُسَالِمِ، وَالْمُخْلِصِ قَدْ يَسْتَبْطِنُ وَجْهَ الْحَاقِدِ، وَالْعُدْوَانِيِّ، وَالْخَائِنِ حَتَّى تَحِيْنَ الْفُرْصَةُ لِلانْقِضَاضِ؛ لِيَكْشِفَ عَنْ وَجْهِهِ الآخَرِ، وَلَكِنْ بَعْدَ فَوَاتِ الأَوَانِ.. عَالَمُ الذِّئَابِ مُحَاطٌ بِسُوَارٍ مِنَ الْوَحْشِيَّةِ يَصْعُبُ عَلَى الإنْسَانِ اقْتِحَامُهُ، فَهُوْ كَرِيْهٌ مِنْ جَانِبٍ، وَمَثَارُ خَوْفٍ شَدِيْدٍ مِنَ الْجَانِبِ الآخَرِ.. أَمَّا خُطُوْرَةُ الإِنْسَانِ فَتَكْمُنُ فِيْ كَوْنِهِ بَشَرِيَّ الصُّوْرَةِ، وَوَحْشِيَّ الْمُحْتَوَى؛ مِمَّا يُفَسِّرُ الْمَجَازِرَ الْمَلْيُوْنِيَّةَ الَّتِيْ حَدَثَتْ عَلَى طُوْلِ التَّارِيْخِ.. مَنْ يُمَارِسُ الْجَرِيْمَةَ بِحَقِّ الإِنْسَانِ الْفَرْدِ يَجْرُؤُ عَلَى تَوْسِعَتِهَا لِلآلافِ، بَلِ الْملايِيْن.. وَلَيْسَ الْقَتْلَ وَحَسْبُ، بَلِ التَّمْثِيْلَ بِالضَّحِيَّةِ، وَالتَّلَذُّذَ بِإِيْذَائِهَا.. هَذِهِ النَّفْسِيَّاتُ كَوَّنَتْهَا أَجْوَاءٌ تَرْبَوِيَّةٌ عَلَى الْجَرِيْمَةِ، وَعَانَتْ فِيْ طُفُوْلَتِهَا مِنْ شَتَّى أَنْوَاعِ الشُّذُوْذ.. مَا يُنْقَلُ مِنْ الْقَصَصِ هُوَ التَّلَذُّذِ بِتَعْذِيْبِ الضَّحِيَّةِ بِالنَّارِ، أَوِ التَّقْطِيْعِ بِالسَّكَاكِيْنِ، أَوِ الرَّمْيِ بِأَحْمَاضِ التِّيْزَابِ، أَوْ قَذْفِ الضَّحِيَّةِ وَهُوَ حَيٌّ مِنِ ارْتِفَاعٍ شَاهِقٍ، أَوْ تَقْدِيْمِ الإِنْسَانِ الْحَيِّ طَعَاماً لِلسِّبَاعِ، أَوِ الإِغْرَاقِ التَّدْرِيْجِيِّ بِالْمَاء.. فَفِي الْوَقْتِ الَّذِيْ تَجْرِي مُحَاوَلاتُ التَّدْجِيْنِ لِلْحَيَوَانَاتِ الْمُفْتَرِسَةَ لِتَأَلْفَ التَّعَايُشَ مَعَ الإِنْسَانِ تَزْدَادُ وَحْشِيَّةُ، وَضَرَاوَةُ بَعْضِ الْمُجْرِمِيْنَ لِيُوْغِلُوْا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ بِالتَّوَحُّش.. مَحَكُّ الطُّفُوْلَةِ يَكْشِفُ مَدَى إِنْسَانِيَّةِ الإِنْسَانِ، أَوْ وَحْشِيَّتِهِ. وَالْيَدُ الَّتِيْ تَمْتَدُّ بِالأَذَى الشَّدِيْدِ لِلطِّفْلِ مِنْ دُوْنِ أَدْنَى وَاعِزِ رَحْمَةٍ تَتَمَادَى بِأَبْشَعِ الْجَرَائِمِ؛ لأَنَّ الطُفُوْلَةَ عُنْوَانُ حُبٍّ، وَرَحْمَةٍ، وَوَفَاءٍ، وَشَفَقَةٍ. وَمَنْ يَفْتَقِدُ لَهَا لا أَتَرَدَّدُ بِوَصْفِهِ مَرِيْضاً، وَلا أَبْخَلُ عَلَيْهِ بِمُرَاجَعَةِ الطَّبِيْبِ؛ حَتَّى يُعِيْدَهُ إِلَى حَالَتِهِ الطَّبِيْعَيَّةِ.. حَفَلاتُ الإِجْرَامِ الْجَمَاعِيَّةُ لِقَتْلِ الأَطْفَالِ، وَدَفْنِ أَعْدَادٍ كَبِيْرَةٍ مِنْهُمْ بِالْمَقَابِرِ الْجَمَاعِيَّةِ يَسْتَرْعِي الانْتِبَاهَ، بَلْ يَدُقُّ أَجْرَاسَ الْخَطَرِ فِيْ عَالَمِ انْحِرَافٍ قَائِمٍ، وَعَالَمِ مَسْخٍ قَادِمٍ.. بَعِيْداً عَنِ الْغَوْصِ فِيْ عَالَمِ أَسْبَابِ الشُّذُوْذِ هَذِهِ، وَالَّتِيْ أَدَّتْ إِلَى انْتِشَارِ مِثْلِ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ الْبَشِعَةَ فِيْ مَنَاطِقَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنَ الْعَالَمِ، لَكِنَّ الْوَقْتَ قَدْ حَانَ لِدِرَاسَةِ أَسْبَابِ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ تَمَاماً كَمَا تَضَافَرَتْ جُهُوْدُ الأَطِبَّاءِ فِيْ مُكَافَحَةِ مُخْتَلِفِ أَنْوَاعِ الأَمْرَاضِ، ثُمَّ تَكَلَّلَتْ بِالنَّجَاحِ.. لَقَدْ عَادَتْ حَقِيْقَةُ ارْتِبَاطِ الإِكْثَارِ مِنَ أَكْلِ اللُّحُوْمِ "بِغِلْظَةِ الطَّبْعِ" مُتَدَاوِلَةً فِي الأَوْسَاطِ الْعِلْمِيَّةِ، وَكَذَا الإِمْعَانُ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الأَطْعِمَةِ، وَالأَشْرِبَةِ، وَمَدَى تَأْثِيْرِهَا فِي السُّلُوْك..
الإثنين 10/شوال/1439 الْمُوَافِقُ 25/6/2018 لندن |
|