|
تعدد هويات الشخصية
قراءات | 18-08-2019
تَعَدُّدُ هُوِيَّاتِ الشَّخْصِيَّةِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ هُوِيَّةٌ، وَكَذَا لِكُلِّ مُجْتَمَعٍ، وَكُلِّ دَوْلَةٍ، وَهِيَ تَرْمُزُ لِلانْتِمَاءِ مِنْ جَوَانِبَ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَيْثُ تَكُوْنُ مُسْتَوْفِيَةً لِكُلِّ جَوَانِبِ شَخْصِيَّتِهِ الْمَعْنَوِيَّةِ. وَعَادَةً مَا تَكُوْنُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ هُوِيَّةٌ وَاحِدَةٌ يُعْرَفُ بِهَا، وُيُعَرَّفُ بِهَا لَدَى الآخَرِيْنَ، و [تُعَرَّفُ الْهُوِيَّةُ فِي اللُّغَةِ بِأَنَّهَا مُصْطَلَحٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الضَّمِيْرِ هُوَ. وَمَعْنَاهَا صِفَاتُ الإِنْسَانِ وَحَقِيْقَتُهُ، وَأَيْضاً تُسْتَخْدَمُ لِلإِشَارَةِ إِلَى الْمَعَالِمِ، وَالْخَصَائِصِ الَّتِيْ تَتَمَيَّزُ بِهَا الشَّخْصِيَّةُ الْفَرْدِيَّة].. غَيْرَ أَنَّهَا لا تَعْنِي الانْغِلاقَ عَلَى الذَّاتِ، وَعَدَمَ الانْفِتَاحِ عَلَى الآخَرِيْنَ، كَمَا لا تَعْنِي عَدَمَ تَبَدُّلِهَا مَعَ مُرُوْرِ الزَّمَنِ، وَتَحْدِيْداً عِنْدَ حُصُوْلِ قَنَاعَاتٍ فِكْرِيَّةٍ تَطْرَأُ عَلَى طُوْلِ حَيَاتِهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ يُشَكِّلُ قُوَّةً فِيْ شَخْصِيَّتِهِ.. هَذَا التَّبَدُّلُ فِيْ الْهُوِيَّةِ يُفْتَرَضُ أَنْ يَكُوْنَ تَعْبِيْراً عَنْ قَرَارٍ شُجَاعٍ يُؤَرِّخُ بِدِقَّةٍ، وَأَمَانَةٍ لِنُقْطَةِ التَّحَوُّلِ فِيْمَا كَانَ عَلَيْهِ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَ الْقَرَارَ لابُدَّ أَنْ يَكُوْنَ مُسْتَوْعِباً لِمُحْتَوَى مَا هُوَ فِيْهِ بِالْحَالِ كَمَا لابُدَّ أَنْ يَعِيَ وَعْياً كَامِلاً لِهُوِيَّتِهِ الْجَدِيْدَةِ.. التَّخَلِّي عَنِ الْهُوِيَّةِ لَيْسَ تَخَلِّياً عَنْ عَادَةٍ اعْتَادَهَا فِيْ بِيْئَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَيَرُوْمُ تَبْدِيْلَهَا بِعَادَةٍ أُخْرَى، فَهِيَ لَيْسَتْ لِبَاساً يُخْلُعَ مَتَى شَاءَ، وَيُرْتَدَى غَيْرُهَا مَتَى أَرَادَ صَاحِبُهَا، بَلْ إِنَّهُ جِلْدُهُ الَّذِيْ لا يَتَبَدَّلُ حَتَّى الْمَوْتِ، لَكِنَّ وَعْيَ الإِنْسَانِ لِلْمُشْتَرَكَاتِ الْكَثِيْرَةِ الَّتِيْ تَتَخَلَّلُ هُوِيَّاتِ بَنِي الْبَشَرِ تَجْعَلُهُ فِيْ حَالَةٍ مِنَ الْمُرُوْنَةِ لِلتَّعَاطِي مَعَهَا بِلا حَرَجٍ، وَلا ازْدِوَاجٍ فِي الشَّخْصِيَّةِ.. ثَوَابِتُ الشَّخْصِيَّةِ الَّتِيْ تَتَحَدَّدُ أَسَاسِيَّاتُهَا لا تَسْمَحُ بِانْتِحَالِ ثَوَابِتَ أُخْرَى تَتَنَافَى مَعَهَا مِنْ حَيْثُ الْمُنْطَلَقُ، وَالأَهْدَافُ، وَالْوَسَائِلُ الْمُعْتَمَدَةُ بِالسُّلُوْكِ الْعَمَلِيِّ. وَهُنَا تَتَجَلَّى عَظَمَةُ الشَّخْصِ حِيْنَ يَلْتَزِمُ ثَوَابِتَهُ الْمَبْدَئِيَّةَ مُرَاعِياً بِذَاتِ الْوَقْتِ، وَبِمُرُوْنَةٍ هُوِيَّاتِ الآخَرِيْنَ خُصُوْصاً أَنَّنَا نَعِيْشُ عَالَمَ الانْفِتَاحِ عَلَى التَّعَدُّدِيَّاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَمِنْ خَلْفِيَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ دِيْنِيَّةٍ، وَقَوْمِيَّةٍ، وَإِقْلِيْمِيَّةٍ، وَسِيَاسِيَّةٍ، وَمِهْنِيَّةٍ. فَالْوُقُوْفُ عِنْدَ حَدِّ مَبَادِئِهِ مِنْ دُوْنِ التَّفَاعُلِ مَعَ الآخَرِيْنَ يُسِيْءُ إِلَى الْمَبَادِئِ نَفْسِهَا، وَيَجْعَلُهُ مُطَوَّقاً فِكْرِيّاً، وَمُعَبِّراً بِذَلِكَ عَنْ مَحْدُوْدِيَّةِ ذَاتِهِ، وَلَيْسَ عَنْ مَحْدُوْدِيَّةِ الْفِكْرِ الَّذِيْ يَحْمِلُهُ.. الانْفِتَاحُ الْمَبْدَئِيُّ عَلَى الآخَرِ لا يُخِلُّ بِمَبْدَئِيَّتِهِ إِذَا مَا أَحْسَنَ الْفَهْمَ، وَأَحْسَنَ التَّطْبِيْقَ، وَكَانَ صَادِقاً مَعَ نَفْسِهِ، وَصَرِيْحاً مَعَ الآخَرِيْنَ؛ لِذَا كَانَ إِبْحَارُ الْمُثَقَّفِيْنَ بِسَفِيْنَةِ الانْفِتَاحِ، وَبِأَشْرِعَةِ الثِّقَةِ، وَالْمَبْدَئِيَّةِ، وَالْقِيَمِ، وَالالْتِزَامِ يَفْرِضُ الاحْتِرَامَ، وَيَرْفُضُ النِّفَاقَ، وَالازْدِوَاجِيَّةَ، وَيَنْشُرُ أَلْوِيَةَ التَّعَارُفِ بَيْنَ بَنِي الإِنْسَانِ بِأَوْسَعِ الْمَدَيَات.
الإثنين 3/شوال/1439 الْمُوَافِقُ 18/6/2018 |
|